د.مهند عثمان التوم
dr.mohaned@alankabootmedia.com

في عالم السياسة  التصريحات السطحية غالب ما تكون مجرد واجهة لشبكة معقدة من العلاقات والقرارات الخفية، لذلك سننسج معاً مدى صحة نفي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علمه بما يدور في أروقة السودان وبراءته من التفاصيل التي تنسج خيوط أخرى من داخل دائرته المقربة رواية تضع تصريحاته تحت مجهر التشكيك للمحاولات الأمريكية بعد وصوله للبيت الأبيض وتتناكر الرباعية، فهل كانت لقاءات الرباعية بأمريكا بعيداً عن أعين البيت الابيض، واحاطات الخارجية الأمريكية للبيت الأبيض هل لم تشير إلى قضية السودان وأن في هامش تقاريرها؟ حتي اكد ترامب وبشكل قاطع، أنه لم يكن على دراية عميقة أو حتى سطحية بما يدور في السودان من تعقيدات سياسية وأمنية، فهل التصريح يهدف إلى إبعاد أي شبهة أو مسؤولية عن إدارته أو عن القرارات التي اتخذت بخصوص هذا الملف الحساس، فالتصريح غير منطقي، هنا تبدأ خيوط العنكبوت في الظهور كيف يمكن لرئيس أن يكون غافلاً عن تفاصيل دولة مهمة بينما يتولى صهره جاريد كوشنر الذي كان يُنظر إليه على أنه ذراع ترامب اليمنى في قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ملفات بالغة الحساسية بما في ذلك الدفع نحو تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل؟ كوشنر، المهندس الرئيسي لاتفاقيات أبراهام لم يكن مجرد مستشار عادي بل كان لاعب محوري في صياغة سياسة الإدارة الخارجية في المنطقة، وهي سياسة لم يكن السودان بمنأى عنها بأي حال من الأحوال، بل كانت جزء لا يتجزأ من استراتيجية أوسع، فهل يعقل أن يكون كوشنر يتنقل بين العواصم يبرم الاتفاقيات ويشرف على تفاصيل دبلوماسية معقدة تتعلق بالسودان بينما رئيسه ووالد زوجته يجهل تماماً تلك المساعي؟ هذا تناقض يصعب ابتلاعه.
الأكثر إثارة للتساؤل، وربما ما يشد خيوط شبكة العنكبوت بقوة أكبر هو ما يتردد عن وجود شخصيات محددة داخل الولايات المتحدة تعمل بشكل وثيق على ملف السودان وبالتحديد مسعد بوليس من أسرة ترامب ويربطهم الزواج أيضاً، وممسك بخيوط رئيسية تتعلق بمسار السودان داخل دوائر صنع القرار الأمريكية، وبعلم مَن هم في قلب السلطة حينها، فكيف يمكن لرئيس أن يزعم الجهل بما يدور في بلد بينما يمسك أحد المقربين منه أو على الأقل من دائرته الأسرية بملفها بهذه الطريقة المكثفة من داخل الأراضي الأمريكية؟

هذه التضاربات تضع تصريحات ترامب على المحك فإما أنه كان حقاً غافلاً عن تفاصيل حرجة تدور في إدارته وتحت إشراف أقرب مستشاريه، وهو أمر يثير تساؤلات حول فعالية قيادته ورقابته على شؤون الدولة أو أن الجهل المزعوم لم يكن سوى ستار لمحاولة إبعاد الأنظار عن أدوار محتملة أو مصالح قد تكون تداخلت في هذا الملف المعقد، مما يضيف طبقة أخرى من الغموض إلى “شبكة العنكبوت” التي يبدو أنها أحاطت بملف السودان في عهده.

تظل الحقيقة الكاملة حول مدى معرفة دونالد ترامب بما كان يجري في السودان ومدى تأثير الدوائر المحيطة به معلقةً في فضاء التساؤلات لكن خيوط العنكبوت التي نسجت حول هذه القضية من دور كوشنر المحوري إلى حضور شخصيات مثل “مسعد بوليس” في دهاليز الملف السوداني داخل أمريكا، ترسم صورة لا تتوافق كثيراً مع ادعاء الجهل، ويبقى السؤال هل كانت السودان حقاً خارج شبكة اهتمامات الرئيس أم أن هناك ما هو أعمق من مجرد صمت؟