د.مهند عثمان التوم
dr.mohaned@alankabootmedia.com
في روايته الشهيرة موسم الهجرة إلى الشمال يطرح الطيب صالح سؤالاً جوهرياً “من أين يأتي هؤلاء؟” إنه سؤال عن الهوية عن الجذور عن الصلة بين الماضي والحاضر، سؤال يتردد صداه في أذهان السودانيين اليوم، وهم يواجهون تحديات جمة تهدد وجودهم ومستقبلهم.
لطالما ارتبط السودان في الأذهان بصورة البساطة والتواضع بصورة السيالة الشامخة المتجذرة في الأرض الصامدة في وجه الرياح إنها صورة شعب يعيش على ضفاف النيل يعشق أرضه ويتمسك بقيمه شعب عرف كيف يتعايش مع الطبيعة القاسية وكيف يحول الصحراء إلى جنة.
إنها صورة شعب متجذر في أرضه، متمسك بقيمه صابر على نوائب الدهر شعب لطالما عرف كيف يتعايش مع التحديات،وكيف يحول المحن إلى فرص، ولكن هل ما زالت هذه الصورة حية في واقع اليوم؟ هل ما زالت جذور السيالة قادرة على مقاومة جفاف الحرب؟ هل ما زال السودانيون يحتفظون ببساطتهم وتواضعهم في ظل صراعات السلطة والتناحر السياسي؟
الحرب الدائرة اليوم في السودان ليست مجرد صراع عسكري بل هي اختبار حقيقي لهوية هذا الشعب، لقدرته على الصمود لتماسكه الاجتماعي إنها امتحان قاسٍ لقيم التسامح والتعايش التي لطالما ميزت السودان.
في هذه اللحظة الفارقة يصبح سؤال الطيب صالح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، إن الإجابة على هذا السؤال ليست مجرد تمرين فكري، بل هي ضرورة حتمية لبناء مستقبل أفضل للسودان مستقبل يعيد لهذا البلد أمنه واستقراره ويحافظ على هويته ووحدته ويستلهم من جذور السيالة قيم الصمود والتحدي مستقبل يعكس جوهر السودانيين الحقيقي، جوهر البساطة والتواضع والقوة.
مستقبل لا ينسى تراثه الغني وتاريخه العريق بل يستثمرهما في بناء حاضر مزدهر وغد مشرق مستقبل يحتفي بالتنوع الثقافي والاجتماعي الذي يزخر به السودان ويعتبره مصدر قوة وإلهام مستقبل يتجاوز الانقسامات والصراعات، ويوحد الجهود والطاقات نحو هدف واحد: بناء سودان قوي ومزدهر يسوده السلام والعدل والمساواة.
إن التحدي اليوم يكمن في كيفية تحويل هذه الرؤية إلى واقع كيف نبعث جذور السيالة من جديد ونسقيها بماء الأمل والعمل؟ كيف نغرس في نفوس الأجيال القادمة قيم البساطة والتواضع والصمود؟ كيف نعيد بناء الثقة بين أبناء الشعب الواحد، ونزيل رواسب الكراهية والتعصب؟
الإجابة على هذه الأسئلة ليست سهلة ولكنها ليست مستحيلة أيضاً إنها تتطلب جهداً مشتركاً من جميع السودانيين من قادة ومفكرين ومثقفين وشباب إنها تتطلب حواراً صادقاً ومسؤولاً يهدف إلى فهم أسباب الأزمة وإيجاد حلول مستدامة إنها تتطلب إرادة قوية وعزيمة لا تلين، للتغلب على التحديات وتحقيق الأهداف.
إن السودان اليوم يقف على مفترق طرق إما أن يستسلم لليأس والاستسلام ويغرق في دوامة العنف والفوضى، أو أن يستلهم من جذور السيالة قيم الصمود والتحدي وينطلق نحو مستقبل أفضل، الخيار لنا والمستقبل بين أيدينا فلنجعل من هذه المحنة فرصة لإعادة بناء السودان، سودان الطيب صالح، سودان البساطة والتواضع والقوة، فلنجعل من السيالة رمزاً للوحدة والتآخي رمزاً للأمل والتفاؤل رمزاً للسودان الذي نريد السودان الذي نحلم به.
إن الطريق إلى هذا السودان لن يكون مفروشاً بالورود، بل سيكون مليئاً بالعقبات والتحديات وبالإيمان والإرادة والعزيمة سنتمكن من تجاوز هذه العقبات وتحقيق أهدافنا سنتمكن من بناء سودان قوي ومزدهر يسوده السلام والعدل والمساواة.
إن السودان يستحق منا كل الجهد والتضحية إنه بلدنا بلد أجدادنا وبلد أبنائنا بلد يستحق أن نعيش فيه بكرامة وعزة، وأن نورثه للأجيال القادمة أفضل مما ورثناه فلنعمل معاً يداً بيد وقلباً على قلب لبناء هذا السودان فلنجعل من جذور السيالة نبراساً يضيء لنا الطريق وقوة تدفعنا إلى الأمام، فلنجعل من السودان قصة نجاح ملهمة قصة شعب تحدى الصعاب وانتصر فلنجعل من السودان ببساطة السودان الذي يستحق أن يكون.
