برزت الراحلة فاطمة أحمد إبراهيم بصورتين متمايزتين؛ إحداهما حداثوية والأخرى تقليدية، وربما تعود الثانية إلى بيئتها الأولى التي نشأت فيها. في بدايات شبابها، حين قررت خوض العمل الحزبي واتخاذ المسار الثوري، واجهت مخاوف أسرتها. يحكي أنها توصلت مع والدها—وهو رجل متدين—إلى اتفاق بأن يصحبها شقيقها صلاح إلى الاجتماعات ضماناً للقبول العائلي، وهو ما سمح لها بشق طريقها السياسي بين مطالب الأسرة ونوازع التغيير.
تميّزت فاطمة بقدرتها على التوفيق بين القديم والجديد، وبين المحلي والحداثي، وقدمت نموذجاً لنسوية سودانية ترتبط بوجدان المجتمع، وترفض أي شكل من أشكال استغلال النساء. ظلّت قناعتها راسخة بأن قضية تحرير المرأة يجب أن تُقدم ضمن إطار يراعي خصوصيات المجتمع السوداني.
الثورية النسائية التقليدية والليبرالية النسوية الحديثة
اعتمدت الحركة النسائية الثورية التقليدية في السودان والعالم على مشروع متكامل يربط تحرير النساء بتحرير المجتمع، دون إغفال القضايا العاجلة للنساء. في المقابل، ارتكزت الليبرالية النسوية الحديثة على الحقوق الفردية، حرية الاختيار، التعليم، المهارات، وتمكين النساء اقتصادياً ضمن اقتصاد السوق، كما أولت اهتماماً لقضايا الجندر، الاستقلال الجسدي، والمثلية.
وعلى الرغم من التقاطعات بين المدرستين، فإن الليبرالية النسوية أقل انخراطاً في البنى الاجتماعية والسياسية الواسعة مقارنة بالحركات الثورية. أما فاطمة فقد انحازت بوضوح للثورية التقليدية، مع المحافظة على مساحة إصلاحية تربط بين المسارين.
شهادات ووقائع من مسيرتها
عرف الكاتب فاطمة منذ سنوات الدراسة الثانوية، واستمرت علاقته بها حتى مشاركته في تشييعها بمطار هيثرو في لندن. كانت امرأة ذات حس شعبي شديد الحضور، تستخدمه في العمل السياسي والاجتماعي.
يروي موقفاً جمعها بالشاعر السوداني الإريتري محمد مدني بعد انتفاضة أبريل 1985، حين أخبرها بنيّته انتقاد حزبها فقالت له: «خصمتك بالنبي ما تتكلم عن حزبنا»، لكنه فعل، وعندما عاد مازحته قائلة: «إنت يا الكملان من لحم الدنيا، ما قلت ليك ما تتكلم عننا» فضحك الجميع.
وفي ندوة حول الحركة الوطنية، انتقدت المؤرخ التجاني عامر لعدم ذكره دور الجبهة المعادية للاستعمار، فردّ قائلاً: «الأستاذة فاطمة حقانية وحديثها صحيح»، وأقرّ بإغفال ذكر أسماء قيادات تاريخية.
مواقفها في التجمع الوطني الديمقراطي
خلال اجتماع التجمع في أسمرا، طالبت فاطمة بتمثيل النساء في هيئة القيادة. واجهت اعتراضات عديدة، فخاطبت القيادات بحدة، مما أغضب بعضهم وأضحك د. جون قرنق. وبعد نقاشات جانبية، قرر قرنق مغادرة الجلسة حتى لا يتسبب تأييده لها في شرخ داخل التجمع.
عادت فاطمة لطرح القضية نفسها في اجتماع القاهرة، وتصريحاتها للإعلام حول التهميش عززت الضغط نحو تمثيل النساء.
نساء السودان تحت حكم الإنقاذ
شهد حكم الإنقاذ أسوأ أنواع القمع ضد النساء، بما في ذلك جرائم موثقة في مناطق الحرب والريف. أدت السياسات الاقتصادية لانهيار الريف، وهو ما انعكس مباشرة على أوضاع المرأة الريفية. وتُعد حرب 15 أبريل امتداداً للعنف البنيوي الذي تعرضت له النساء عبر العقود.
الحركة النسائية اليوم
يقف الجيل الجديد أمام تحديات كبيرة تتطلب وصل التجارب بين الأجيال والانفتاح على العالم من دون التفريط في الخصوصيات السودانية. ويرى الكاتب أن للحركة النسائية السودانية جذوراً تمتد لآلاف السنين، وأن للنساء السودانيات دوراً راسخاً في حضارات وادي النيل.
وفاء وتاريخ باقٍ في الوجدان
لم تكن فاطمة وحدها؛ بل كانت جزءاً من حركة نسائية واسعة. ورغم غيابها عن السودان لفترات طويلة، لم تغب عن ذاكرة الناس. عند عودتها الأخيرة، استقبلها السودانيون بما يليق بتاريخها وإسهامها.
عُرفت فاطمة ببيتها المتواضع المليء بالكتب في العباسية، وظلت حتى آخر لحظاتها رمزاً للاستنارة، والغضبة النبيلة، والموقف المبدئي من أجل النساء.
سلام على فاطمة، وعلى جيلها، وعلى نساء السودان جميعاً.
مصدر المقال https://sudantribune.net/article/307216
