د.طارق عشيري
في قروب اهلي وعشيرتي تبادل الجميع الفرحه والتهاني بعودة التيار الكهربائي لبعض من الاحياء فتسالت في نفسي هل اصبحت عودة الكهرباء والمياه حلما يرواد اهل
السودان فعلا وانتابني احساس في تلك اللحظة ، ان ملامح الحياة قد تمزقت، وصار الفرح نفسه فعلاً يحتاج إلى شجاعة. وحين عادت الكهرباء إلى بعض المدن والقرى، خرج الناس (بفرحة خفيفة) ، سريعة، كأنهم يخشون أن يبالغوا في الاحتفاء بشيء كان في الأصل حقاً لا منّة. وكأن الحرب علّمت المواطن السوداني أن يتعامل مع الحياة بالقطعة… مع الفرح بالجرعات… ومع الألم بلا حدود.
الحقيقة المؤلمة أنّ عودة الكهرباء ليست هي الفرح الحقيقي؛ الفرح الحقيقي (هو عودة الأمن) ،( واستقرار البيوت) (، وعودة الناس من النزوح والهجرة ) ، وارتياح الأمهات اللائي ينتظرن أبناءهن على أبواب المدائن. لذلك جاء فرح الكهرباء ناقصاً، باهتاً، وكأنه مجرد استراحة قصيرة في طريق مليء بالأشواك.
فالإنسان الذي فقد أهله، أو نزح عن أرضه، أو عاش شهوراً تحت دويّ القصف، لا يستطيع أن يفرح فرحاً كاملاً، حتى لو عاد النور إلى منزله. لأن (الظلام الحقيقي) ليس في (غياب الكهرباء) ، بل في تلك الساعات الطويلة التي عاشها بين( الخوف والفقد الموجع في الاهل) ومع ذلك، يبقى هذا الفرح—ولو كان مختصراً—دليلاً على أننا ما زلنا نبحث عن( الحياة وسط الركام) ، وما زلنا نحتفظ بجذوة أمل صغيرة تقول لنا إن السودان قادر على أن ينهض، وأن النور مهما غاب لابد أن يعود.
ربما اختصرنا الفرح، نعم… لكننا لم نفقده. وربما لم نحتفل كثيراً، لكننا ما زلنا نرى في كل شعاع كهرباء نافذةً صغيرة نحو غدٍ أفضل.
فالبلد التي تهزم الموت يومياً، لا بد أن تنتصر للحياة. والسودان—برغم كل شيء—لا يزال يملك قلباً ينبض، وشعباً لا ينكسر، وأملاً لا ينطفئ. وسودان مابعد الحرب اقوي واجمل
